عنوان المقال : أنا النوري .. و أنا الدمنهوري .
غالبا ما نغيب عن تلمس الحقيقة في حالة تجاهلنا لطريقة البحث العلمي في التأصيل لأحدى مفردات الثقافة الشعبية ، و التي منها الأمثال الشعبية و لا شك ؛ لذا يقع أغلبنا في متاهة الظنون التي تقودنا إلى اليقين الكاذب ، و هو اليقين الذي يقوم على الظن و تداول المعلومات دون توثيق .
و لأن دمنهور مدينة قديمة بقدم التاريخ ، بل و مستمرة باستمرار الحياة ؛ فمن الطبيعي أن تكثر عليها الأمثال ، و كذا الطرف و الملح بل و النكات كأحد أهم أدوات هذه الثقافة الشعبية ، و من هذه الأمثال : " جوز ابنك لدمنهورية و لا تجوز بنتك لدمنهوري " ، و " الدماهرة صباغين الحمير " ، و المثل الأكثر شهرة : " ألف نوري و لا واحد دمنهوري " .. و هكذا . و كلها تقع في ميدان المدح لا القدح كما سنرى .
و لنبدأ بالمثل الأشهر " ألف نوري و لا واحد دمنهوري " .. بالتحقق و التحقيق .
أولا : أن المثل يستخدم السجع كما أستخدم مع بلاد عديدة ، فمثلا يقولون : " ألف حاوي و لا واحد محلاوي " ، و " ألف خازوق و لا واحد من دسوق " ؛ مما ينبئ عن استخدام الثقافة الشعبية المصرية لصيغة " ألف كذا و لا واحد كذا " كقالب جاهز لصياغة مثل فكاهي ، و من هذا المنطلق الفكاهي نستطيع الآن القول مثلا : " ألف حانوتي و لا و احد أسيوطي " ، أو " ألف قرداتي و لا واحد دمياطي " ، أو " ألف قضية و لا واحدة اسكندرانية " على سبيل الوزن و تصير الأمور على هذا المنوال بغرض الفكاهة .. و هذا الأمر يضعف من حجية المثل لكونه استخدم قالبا جاهزا في صياغته .
ثانيا :ما هو معلوم و مشهور في الثقافة الشعبية لأبناء البلدة عن الواقعة التاريخية التي كانت سببا في انتشار المثل أن : أحد اليهود و هو يحاول استغفال الإمام المحدث الأزهري " محمد الزواوي " - الذي كان يمتلك تجارة غلال في ساحة الغلال بدمنهور – عن عمد منه ، فرد الإمام الزواوي له المكيدة بنفس طريقته ؛ مما دعاه لإطلاق المثل .. و هذه الواقعة إن صدقت تجعل المثل متربعا على منصة المدح للدماهرة لا القدح .
ثالثا : ما معني كلمة " نوري " .. هل هي بمعني اسم الفاعل من النور ؟ . الإجابة الأكيدة : " لا " . فبهذا يفقد المثل فاعليته ، و هل هي بمعني حرامي أو نصاب ؟ . الإجابة الأكيدة : " لا " . لأن " نوَّري " بفتح و تشديد الواو هي التي تطلق في الثقافة الشعبية على النصاب ، فيقولون : " يا حوَّر يا نوَّر – أي جمع نوَّري و ليس نوري المذكورة في المثل " ، و الكلمة المذكورة في المثل الموافقة للسجع " نوري " بضم النون ، هل هي بمعنى " غجري " أي ذكر الغجرية ، لأنهم في الشام و خاصة سوريا يطلقون لفظ النوري على ذكر الغجرية و هو غالبا ما يمتهن مهنة الحاوي . الإجابة : " لا " . لأن البحث العلمي يؤكد شيئا آخر ؛ و هو كما يقول الباحث " سامح مقار " في الدراسة الجادة التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب ، عام
رابعا : هناك شق آخر للمثل غير مشهور يدل على صحة المعنى المستنبط مما سبق .. و هذا الشق أو كمالة المثل بلغة " الكشري " هو : " و ألف دمنهوري و لا واحد فارسكوري " .. و المعروف عن أهل " فارسكور " أنهم أصل الدمايطة ، الذين هم أوعى خلق الله في ترشيد الموارد و تنميتها .. مما يحدونا للاستقرار وجدانيا على المعنى السابق و الذي يدل على وسطية الدماهرة في استخدام الموارد فهم بين نار أهل " كوم النور " و جنة أهل " فارسكور " .
فلو إننا افترضنا جدلا صحة هذه الأمثال الفكاهية – التي أشك في تعميمها - فإني أعلن أني أنا النوري و أنا الدمنهوري فكم أرشد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عدم التبذير في استخدام الماء و لو كنت على نهر جار .. و الله أعلم .
الحلقة القادمة : " صباغين الحمير " فإلى لقاء .
1 التعليقات:
راااااائع جدا .... معلومات جديده وقيمه..جزاك الله خيرا
إرسال تعليق