Pages

١٣ يناير ٢٠١٢

حس الفكاهة عند المصريين - ثورة 25 يناير نموذجا


حس الفكاهة عند المصريين ..

" ثورة 25 يناير نموذجا "

للباحث / كامل مصطفى رحومة

دبلوم الدراسات العليا بجامعة مكة المكرمة المفتوحة

الإهداء :

إلى مفجر ثورة الضاحكين ..أيان كانوا صامتين ..

إلى عاشق الإنسان ..أيا من كان ..

إلى الضاحك.. الدكتور عبد الوهاب المسيري .. يرحمه الله ..

فيا ليته كان معي ..و يا ليتني في غيابه ..كنت معي ..

مقدمة :

لقد بات من مسلمات العلوم الاجتماعية ؛ الإقرار بمعيارية الفكاهة في التدليل على درجة تحضر الشعوب ، و أمست النكتة أحد أهم أدوات قياس اتجاهات الرأي العام لأمة ما .

و لما كانت النكتة أحد أهم التقنيات الشعبية التي استخدمها المصريون في " ثورة 25 يناير " ؛ كان لزاما على متقصي الحقائق إلقاء الضوء على الفكاهة و النكتة ؛ بغية الوصول للحقيقة .. في محاولة الحصول على مقولة تفسيرية تعبر عما حدث قبل و أثناء و بعد الثورة.. لأن النكتة هي أحد أهم الوسائل التي تنبئ عن الخريطة الإدراكية لشعب ما ( أو بمعنى أبسط : الثقافة الشعبية الداخلية له ) .. فبالتالي تستطيع النكتة أن تكون أداة للتغير .. بل و تستطيع أن تتنبأ بالمستقبل .

و لأن الفكر الغربي - من الزاوية السياسية الجماهيرية - يقدر الفكاهة و يحترم من يقوم بها ، و يعتبره متحضرا . و يقر بحقيقة كون ضعف الحاسة الفكاهية و عدم تقدير النكتة .. أحد أهم أسباب ضعف النزعة النقدية للأفراد و الجماعات ، و أحد أهم مسببات الاكتئاب و الضيق و اليأس الشديد .. مما يفسر لدينا ظاهرة قلة النكتة قبل الثورة ..ثم يفسر كثرتها بعدها و أثناءها .

فرجوع حس الفكاهة للمصريين عبر ميدان التحرير .. يعني عندهم – الغرب - ميلاد الأمل في الحياة للمصريين . و هذا مما يفسر أقوال كثير من الزعماء و الكتاب و الفلاسفة الغربيين عن المصريين بعد الثورة ( مثل قولة برلسكوني على سبيل المثال : لا شيء جديد في مصر .. فالمصريون كالعادة .. يصنعون التاريخ ..) .

.. و عليه فإن : ( الضاحكون المضحكون في مصر .. صنعوا التاريخ ) ..

أولا : الضحك و الفكاهة في العلوم الإنسانية :

· يقول الفلاسفة أن : " الإنسان حيوان ضاحك .."

· و تعريف الضحك للفيلسوف الكبير " برجسون " : .. " الضحك ملكة إنسانية ، فلا يضحك إلا ما هو إنسان ، و ما من شئ يضحكنا إلا ما يكون إنسانيا .. "

· و الفيلسوف الفرنسي فولتير يقول : " أنا أضحك حتى لا أصاب بالجنون.. "

· مارسيل بانيول يقول : " قل لي مما تضحك .. أقل لك من أنت .. " .

· و كما يقول مودي راشد أن : " الضحك تأكيد لإنسانية الإنسان .. لأنها طريقة لحفظ ماء الوجه للتعبير عن القلق الذي يعترينا ، فهو يكسر الجليد ..و يبني الثقة ..و يجمعنا في حالة مشتركة من السعادة ".

· و العقاد يؤكد على أنه : " لا توجد أمة متحضرة لها تاريخ قديم خلت من نوابغ الفكاهة .." .

· و القرضاوي في كتابه " فقه اللهو و الترويح " يتبني قولة : " أنا أضحك إذن أنا إنسان " .

· و صبحي درويش يرى أن : " الفكاهة فضيلة إنسانية عالية ".

.. و عليه فإنه : ( كلما زادت إنسانية الإنسان .. كان ضاحكا و فكاهيا ) ..

ثانيا : حقائق عن الضحك و الفكاهة :

o أسباب الضحك :

السرور .. الفرح .. السخرية .. المزاح .. العجب .. العطف و المودة .. الشماتة و العداوة .. المفاجأة .. الدهشة .. البلاهة و السذاجة .

o مشاهير الظرفاء و الضاحكين :

جحا .. أبو علقمة .. أبو دلامة .. أبو الشمقمق .. أشعب .. بهلول ..

o الكتاب الساخرين :

الشاعر " الفرذدق " .. و غريمه الشاعر " جرير " .. و الإمام ابن الجوزي ( صاحب كتاب " أخبار الحمقى و المغفلين " ) .. و ابن الرومي ( شاعر الهجاء و السخرية ) .. و الجاحظ ( مؤلف كتاب البخلاء ) ..و أبو حيان التوحيدي ( الفيلسوف ) .. و الشيخ عبد العزيز البشري ( جاحظ العصر الحديث و ابن شيخ الأزهر " سليم البشري " )..و كامل الشناوي ( الصحفي و الشاعر الكبير ) .. و بلال فضل .. و جلال عامر .. و عمر طاهر .. الخ .

o أشهر الكتب عن فلسفة الفكاهة :

" جحا الضاحك المضحك " لعباس محمود العقاد .. و " فلسفة الضحك " للفيلسوف برجسون ( و هو أحد أهم الكتب المعتمدة في ذلك ).. و " النكتة السياسية " لعادل حمودة .. و " السخرية السياسية العربية " لخالد القشطيني .. و البحث العلمي الرشيد" الفكاهة و الضحك " لشاكر عبد الحميد ( سلسلة عالم المعرفة ) .. و " نكت السيد الرئيس " لمحمد الباز .. و" و الكبار أيضا يضحكون " لأنيس منصور .. و غيرهم .

o فوائد النكتة و الفكاهة :

1) تعزيز التماسك الاجتماعي بين الأفراد .

2) التفاعل و التواصل مع الناس .

3) فهم مطالب الآخرين و التقرب إليهم و كسبهم في العمل العام .

4) التحكم في سلوك الآخرين بالسخرية .

5) تنشيط العقل و الإبداع و الخيال .

6) نقل المعلومة بيسر و سهولة.

7) مقاومة الاكتئاب و القلق و الغضب و الانطواء و الفردية و إزالة الخوف.

8) كشف العيوب و تعديل القرارات الخاطئة و تحسين الظروف .

9) تنمي روح الفريق .. لكون المزاح لا يكون إلا جماعيا ..

فكما يقول عادل حمودة أن : " حزب النكتة هو الحزب الوحيد الذي تتلاشى عنده كل النزاعات و العصبيات .. حتى عصبية كرة القدم ( أهلي و زمالك ) ..

مما يفسر لدينا كون أن بعض الصعايدة يقبلون النكت التي تطلق عليهم ، طالما كانت تثير الضحك و تدخل البهجة و السرور .. و هو ما يطلق عليه في الثقافة الشعبية ( تشجيع اللعبة الحلوة ) .

.. و عليه فإن : ( الفكاهة هي العدو اللدود للتعصب .. و هي أحد روافد العمل الجماعي )

o تعريف النكتة :

- هي نشاط لفظي شفهي إرادي يقصد من ورائه إحداث لأثر سار لدى المتلقي له .

- و هي كما يقول أ. د . سيد عويس : " عبارة عن استحضار تجارب سابقة للمشهد الحالي و تطبيقها عليه بصورة تصنع مشهدا هزليا " .

o سمات النكتة :

1) هي نص إبداعي سردي .

2) النكتة صناعة لا صانع لها ( مصانعها سرية .. في المقاهي و المنتديات و غرف التواصل الاجتماعي ).. فهي مشاعية و ليس لها مؤلف .

3) و هي ملخص فكرة مكثفة إلى أقصى حدود التكثيف .

4) انتقاديه و لا تعترف غالبا بالمقدسات ( الدين .. السياسة .. الجنس ) .. أي تقول ما لا يقال .

5) تقوم عل الطرفة و المفاجأة و المفارقة بكل أنواعها.

6) تحتاج للرشاقة الذهنية .. فهي تعتمد على المتلقي كما تعتمد على المؤدي لها .. فمن الممكن ألا يفهمها فلن يضحك .. ( أي لها استقبال كما لها إرسال ) .

7) النكتة الأكثر عدوانية .. هي الأكثر طرافة .. ( سواء في النص أو في الفكرة ) .

8) هناك نكت ايجابية و أخرى سلبية .. كما يقول الخبير الإستراتيجي " طلعت مسلم " .

o حقائق اجتماعية عن الأشخاص المتفكهين و الظرفاء :

1) ينتج الذكور الفكاهة أكثر من الإناث .

2) تستمتع الإناث بالفكاهة أكثر من الذكور .

3) سن المراهقة ذروة الميل للضحك و الفكاهة .

4) المتفكهون غالبا أحرار ، و على علاقة جيدة بذويهم .

5) العلاقة بين الذكاء و الفكاهة قوية .

6) المتفكهون أكثر إبداعا من غيرهم . و النكتة قرينة الإبداع .. و الشخصيات الفكهة .. غالبا ما تكون مبدعة .

7) المتفكهون لهم سمات قيادية ، و ينصح بترشيحهم للمناصب الهامة .. لذا فهم صناع الثورة .

8) المتفكهون يتسمون بالاتزان الوجداني الانفعالي أكثر من غيرهم .

9) يوجد لدى المتفكهون صورا أكثر إيجابية عن ذواتهم .

10) و هم أقل قلقا و أقل شعورا بعدم الأمان .. و هذا ما يفسر ظهور الوجه المشرق للمصريين في ميدان التحرير .

o دور النكتة في الصحة النفسية :

1) يقاس بها مدى صحة مراكز الحكم المنطقي في أدمغة البشر .

2) تعطي الإنسان إحساس بالانتصار على الموقف فتعطي الثقة بالنفس .

3) تنمي ملكة الإبداع و ترفع الروح المعنوية .

4) تعمل على حدوث حالة من التطهير الجماعي للانفعالات السلبية المتراكمة بفعل أحداث الحياة السياسية و الاقتصادية السيئة .

5) تقرر الدراسات الأكاديمية الحديثة : أثر الفكاهة في زيادة كفاءة أجهزة المناعة ، و أنها تشحذ القدرة على مقاومة الأمراض العضوية .

6) تقوي الذاكرة و ترفع قدرة الاحتفاظ بالمعلومة .

7) تساعد على علاج الاكتئاب و القلق و الضغط العصبي .

8) تجعل الشخص أكثر وسامة و جمالا.

رابعا : السخرية في مصر :

1) أقوال جامعة في وصف الفكاهة عند المصريين :

· يقول هيرودوت ( 200 ق . م ) : " المصريين شعب ماكر لاذع القول روحه مرحة ".

· و يقول جوستاف لوبون : " إن الظرف و الملح و التلطف من أبرز خصال المصريين القدماء " .

· و د . نعمات فؤاد تقرر أن : " الشعب المصري يضحك و يتفكه فيحسبه الجاهل به سهلا و هو صعب " .

· و كما يقول الشاعر عن المصري : و لأن هزلك في الحقيقة حكمة ** * تخفى فيحسبها الهراء الجاهل ..

· و ابن خلدون يقول عن المصريين في مقدمته : " كأنهم فرغوا من الحساب " .. أي أنهم تجاوزوا كل ما هو جاد .. إلى كل ما هو هزل .

· و أحمد أمين في كتاب قاموس العادات و التقاليد : " الشعب المصري ابن نكتة .. و محبوب في أقرانه " .

· و صبحي درويش يعتبر الفكاهة من تجليات ثقافة السلام عند المصريين .. مما يفسر تأكيدهم سلمية ثورة 25 يناير باستخدام الفكاهة .. فالذي يضحك و يسخر .. لن يقتل و لن يستخدم العنف .. إنه شخص متحضر .

.. و عليه فإن : ( المصري الناقد الساخر .. و الفكاهي .. و الضاحك .. لا يميل للعنف )

2) ركائز الحس الفكاهي عند المصري ( أو بمعنى : صفات الشعب المصري التي تؤهله للفكاهة ) :

· الذكاء و سرعة البديهة .. و هي أحد أهم أدوات النكتة .

· ساخر و فيلسوف .. حتى في السخرية الاجتماعية .

· من أدوات حس الانتقام عنده : السخرية .

3) الأشكال المختلفة للنكتة في مصر :

الكاريكاتير .. و الفوازير ..و الألغاز و الأحاجي .. و الأمثال الشعبية مثل : " الجنازة حارة و الميت كلب " .. و القصص الفكاهية أو الحواديت .. و خيال الظل .. و لعبة الأراجوز .. و لعبة دخول القافية .. و الأدب الساخر كالمجلات الأدبية المتخصصة مثل " البعكوكة " .. فن المونولوج الغنائي .. فن شعبي آخر هو تحوير الأغاني الشهيرة إلى معاني ضاحكة باستخدام نفس اللحن و تغيير الكلمات .. المسرح الضاحك .. السينما الضاحكة .. و شكل جديد هو " الإفيه " القولي أو المصطلح الجديد مثل : " كوسة " و " همبكة " و خاصة الإفيه الإليكتروني منه في غرفات الشات و المنتديات.. و نوع أخر هو رسائل الــsms أو ما يسمى بـــ " النكتة الإليكترونية "..

4) البانوراما التاريخية للفكاهة السياسية في مصر :

· رسوم المصريين القدماء للهكسوس على هيئة فئران تخضع لهم القطط .. كرمز على صيرورة المصري ذليلا للأجنبي .

· في عهد صلاح الدين ألفت مؤلفات للسخرية من حكم الوزير " قراقوش " .. مثل كتاب : " الفاشوش عن حكم قراقوش " .

· الجبرتي في تاريخه يحكي عن مؤامرات " نابليون " لإيقاف " الأضاحيك " ( أو النكت ) لأنها تهدد سلطانه .. و يحكي استخدامه الفتاوى الدينية المتشددة لتحريمها .

· جمال عبد الناصر كان له تقرير أسبوعي يقدم له من وزارة الإرشاد و كذا المخابرات عن النكت.. و كان اسمه الحركي في النكت " عبد الجبار " .. و قد أزعجته نكتة الطبيب الذي نصحه برياضة " المشي " .. قائلا له : " ما تمشي بقى .. " .. و كذا ما قاله " أنيس منصور في كتابه " و الكبار أيضا يضحكون " عن نكتة " إسماعيل ياسين " عليه ، و التي أثارت أزمة بين عبد الناصر و أنيس منصور – و قيل في موضع آخر عبد الحميد جودة السحار - .. و التي تقول : " واحد متعود كل يوم يقرأ الجرنال .. و بعدين يرميه في الأرض و يدوس عليه .. فسأله صاحبه عن سبب ذلك .. فرد عليه : أنا بأقرأ الوفيات .. فسأله : بس أنت قرأت الصفحة الأولى و لم تقرأ صفحة الوفيات .. فرد عليه : ما اللي أنا مستني موته خبره بيطلع في الصفحة الأولى ..

· جمال عبد الناصر : في خطبة مشهورة له .. ناشد الشعب المصري : " أن يتقي الله في نفسه ، و أن يرشد النكتة بما لا يؤذي الشعور الوطني " .

· يقول عادل حمودة : أن الوزير " حسن أبو باشا " كان يجمع النكت للرئيس السادات ، و يعرضها عليه كل صباح .. و يحكى أنه كان يأخذ قرارات على أساس تقديره لخطورة بعض النكات ، و قد ذكر منها أمثلة عديدة .. و قد أزعجته بعض النكت مثل نكتة : " يا موحد الأديان يا ريس " .

· تجاهل مبارك للنكتة و لفكاهة الشباب على الإنترنت في الفترة الأخيرة.. بل و التهكم عليها بفقه : ( خليهم يتسلوا ) .. أدى إلى ما هو حادث .. فهو كان لا يقرأ التقارير ، و كانت تروى له النكتة التي يظنون أنها تمتعه فقط .. فلما استخدم السخرية منهم تهكما.. استخدموها و هم بها أجدر .. لأن أصحاب البيت لا يعنيهم سخرية الحرامي حين يتهكم عليهم .. و الظن أن هذه الكلمة .. قد هوت بعرشه و سلطانه .. سبعين خريفا .. و هو لا يلقي لها بالا .

5) المقاومة بالنكتة في مصر :

· يقول د . جابر قميحة : " النكتة أقوى أسلحة أدب السخرية . و خطورتها ترجع إلى العفوية ، و غالبا ما تكون ملمح من ملامح الشخصية التي تتناول النكتة ، و الإيجاز أهم عوامل خطورة النكتة . .

· و تقول عائشة سلطان : " النكتة مقاومة بالحيلة " .. و أنها سيدة الموقف في التظاهرات و الاحتجاجات و الغضب و ردات الفعل العربية طول التاريخ الحديث .

· و يقول إبراهيم أصلان : " النكتة السياسية متحدث رسمي حر للمعارضة الشعبية في مصر " .

· يقول " عصام الإسلامبولي عنها : " أنها صندوق اقتراع على الحاكم " .

· د . سيد عويس ( كبير علماء الاجتماع العرب ) يقرر أن : " النكتة هتاف الصامتين " .. و أنها " نزعة المقهور " ..و يقرر أن : " نصف الشعب يحارب و النصف الآخر في حالة إبداع " .

· و عادل حمودة في كتابه النكتة السياسية يقول : " الألم إذا زاد عن الحد .. انقلب هزلا " .. و التراجيديا إذا تجاوزت الحجم .. انقلبت كوميديا .

· و الإعلامي حسين عبد الغني يقول أن : " النكتة إعلام و تعبير عن الرأي العام .. فهي ترمومتر لحالة الشعوب ".

· و د . سالم ساري يقرر حقيقة أن : " النكتة تقنية شعبية " .. فهي سلاح بيد الشعوب المقهورة .. و محاولة لقهر القهر .

· و الصحفي و الشاعر الكبير كامل الشناوي يقول : " كانت النكتة السلاح السري الهدام الذي خرق قصور الحكام ، و اقتحم حصون الطغاة ، فأقلق راحتهم و ملأ قلوبهم رعبا ".

· و الكاتب الساخر " إبراهيم عبده " يقول : " النكت و السخرية أشد عنفا من طلقات الرصاص " .

· و من أمثلة النكت التي أقلقت الطاغية .. نكتة الطبيب الذي يعالج الرئيس من الصداع .. و كان تشخيصه أنها حالة إسهال في العقل .. فلما سئل الطبيب عن تفسير ذلك .. قال : " أصل أفكاره قذرة ".

6) قوة النكت في الإقناع للرأي الجمعي ( ثورة 25 يناير نموذجا ) :

للفكاهة قوة إقناع و تأثير في العقل الجمعي تفوق كل الخطابات الموجهة الأخرى .. و قد ظهر هذا جليا في الخطاب الثوري لميدان التحرير .. الذي غلبت عليه الرشاقة الذهنية للمصريين .. و استحق الشعب المصري عنها حوز درجة " شعب عبقري " بجدارة و استحقاق .. و مثالا على ذلك :

* المعالجة الفكاهية لأكذوبة " الكنتاكي " و التي أطلقها أعوان النظام السابق ، و كيف استطاعت النكتة و الفكاهة الانتصار للثورة و للثوار .

* و أيضا معالجة أكذوبة " الأجندة " التي أطلقها " عمر سليمان " .. و من أمثلة ذلك ما قيل : " يا عمر سليمان .. أنا بطلت الأجندة .. و جبت كشكول سلك .. و أيضا : " يا عمر يا سليمان .. أجندتك حمرا " .. فكثير من المصريين لا يعي ما معنى " الأجندة ".. و لكنهم جميعا قد فهموها حين تحولت لسخرية .

* و كذا المعالجة الكوميدية لحقيقة " الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان " .. و منها : " الوقفات في مصر : وقفة عيد الفطر – و وقفة عيد الأضحى - و وقفة الراجل اللي ورا عمر سليمان " .. و منها أيضا : " عمر سليمان يغير اسمه إلى الراجل اللي واقف قدام الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان " .. و منها : " أنباء غير مؤكدة تشير إلى : جلوس الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان " ..و فلسفة نقد الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان تقوم على نقد فكرة أن الثورة ليست ثورة .. و لكنها انقلاب عسكري .. لأن وقوف الرجل يعني أنه يجبر " عمر سليمان على الخطاب " .. و الرفض الفكاهي لما حدث أرجعها إلى وصف ثورة .. عن طريق السخرية عديدة الطلقات و المركزة على فكرة الانقلاب .

* المعالجة الفكاهية في نقد أعقد الأفكار الفلسفية .. و هي فكرة " العقد الاجتماعي " بين الحاكم و الرعية .. مثل النكتة التي اعترضت على قول عمر سليمان بأن الرئيس مبارك زي أبونا .. فعلق شباب التحرير في خطابهم الفكاهي قائلين : " على كدة إحنا طلعنا ولاد حرام " .. فلقد انتقدوا بهذه النكتة " سلطة الطغيان الأبوي " المعروفة في علم فلسفة السياسة .. مقررين كون الحاكم اغتصب أمهم .. أو زواجه بمصر زواجا غير شرعيا.. فهم ولاد حرام .

* المعالجة الكوميدية السوداء من الشباب المصري لأزمة " ليبيا " .. و اعتراف الليبيين الثوار بقوة المقاومة الفكاهية المصرية في مساندة الثورة الليبية .. مثل شعارات : " الشعب يريد تفسير الخطاب ".. و" الشعب يريد إيقاف الخطاب ".. و " الشعب يريد علاج الرئيس " .. و كذا لافتة تقول أن : " القذافي الذي أرهق كل مترجمي القنوات الأجنبية في خطاباته ".

* إبداع سكان ميدان التحرير لمقابلات رمزية و مجازية أدبية جديدة و متنوعة و بعضها شعبي لتناسب كل الفهوم لتوصيل الفكرة بالنكتة مستخدمين الرمز .. و المجاز .. و الاستعارات و الكنايات بأنواعها و منها التمثيلية .. لتكون النكتة هي أداة التواصل مع كل طوائف و طبقات الشعب .. و من أمثلة ذلك :

o لافتة بعنوان : " جيم أوفر ( game over ) ".. يفهمها كل مهتم بألعاب الأتاري و الفيديو جيم .

o لافتة عبارة عن حكم كرة قدم يخرج للرئيس " كارت أحمر " .. يفهمها كل مهتم بالرياضة .

o لافتة بعنوان : " راسب و ليس للمذكور إعادة " .. يفهمها كل مهتم بالعلم و التعليم .

o و الاختراع العبقري : " حفل الزار الثوري " لصرف الرئيس الملتصق – حسب تعبير تقرير الــــ " بي بي سي " .. و من ذلك لافتة : " دة لو عفريت كان طلع " .. و لافتة : " انصرف .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .. و هو أمر يتفهمه كل ريفي و كل صاحب ثقافة شعبية .. بل كل ربة بيت بسيطة .

o لافتة بعنوان : " رابطة نجاري مصر يسألون الأسطى مبارك .. ما نوع الغراء الذي تستعمله " .. كناية عن تمسكه بكرسي الحكم .. و يفهمها كل مهتم بالحرف و الصناعات الصغيرة .

o لافته : " باي يا مبارك .. موبيلات بقى " .. و يفهمها كل فتى و فتاة كاجوال ( سيس ) .. أو كل متابع للأفلام الكوميديا .

o لافتة : " مبارك يريد تغيير الشعب " .. يفهمهما كل ذي منطق و لب .. على كونها متناقضة مع المنطق و العدل .. فهو واحد ضد 80 مليون .

o لافتة : " أونكل حسني عاوزة أغير قناة الجزيرة و أجيب قناة كارتون .. ما تمشي بأة " – امضاء : طفل مصرية .. يفهمها كل طفل و كل أب و أم ..و دليل على أنه ضد كل الشعب .. حتى الطفولة البريئة .

o للبيع .. رئيس سابق .. استعمال 30 سنة .. أو للبدل بخلاط .. الوسطاء .. ما فيش مشكلة بس نخلص .. يتفهمها كل من له سابقة بيع و شراء لأصل ثابت .

o لافتة " الشعب + حرية - واحد = حياة مستقرة .. يتفهمها من له اهتمام بالرياضيات و المنطقيات.

o النكتة التي قالها الرئيس المخلوع لحبيب العادلي : " منعت الحشيش .. و الشعب صحصح علينا يا فالح " .

خامسا : النكتة عند المسيري :

و لأن المسيري مفكرا من العيار الثقيل ، و لأنه لا يجهل قيمة النكتة في تحليل المقولات الاجتماعية و السياسية .. فهو يستخدم النكتة للشرح .. و يقول في رحلته الفكرية : " إن حب النكتة مسألة مرتبطة بصميم الإنسان المصري ، قلبه ينفتح إن اكتشف أن من أمامه قادرا على إطلاق النكتة " .

و المسيري يقول عن النكتة : " هي جزء من الشخصية المصرية .. و أن النكتة ليست للتنفيس و إنما للتفسير ، و هي محاولة للتعامل مع الواقع ، و محاولة للاحتجاج عليه " .

و في كتابه المرتقب عن النكتة – الذي مازال حبيس أدراج منزله - يقرر أن للنكتة أنواع كثيرة و وظائف كثيرة ..لذا تجده يصنف النكتة إلى أنواع كثيرة ، كلها تنطق مالا يريد الإنسان أن ينطقه جهرا: نكت خاصة بالببغاوات ، و أخرى بالحشاشين ، و ثالثة للفرفشة ، و رابعة عن الحكام العرب ، و خامسة عن الخريطة الإدراكية لشعب ما .

فهي عنده " رؤية فلسفية " معالمها كالتالي :

* " رؤية فلسفية " .. فهو يرى أن حب المصري للنكتة راجع إلى تجربته التاريخية الطويلة التي جعلته يعيش كثيرا من التناقضات و لحظات الانتصار و الانكسار ، و يشعر بالقوة و العجز .. الأمر الذي جعله قادرا على تطوير رؤية فلسفية قادرة على تقبل التناقضات و تجاوزها من خلال النكتة .

* و هي عنده : " سلاح " .. لاختراق الآخر و استيعابه .

* و هي عنده" مجاز " .. و المجاز عنده مرافق للإنسانية .

و قد كان – يرحمه الله - يتمتع بحس فكاهي عالي .. و هذه الحقيقة دعت الشاعر " عبد الرحمن يوسف " لأن يصفه بذلك في قصيدة رثائه .. قائلا :

.. بربك كيف تكون الحياة كسلسلة من نكات ..

.. تمارس فيها الكفاح و لا تستكين ؟!..

.. تواصل معركة الحق عبر السنين ..

.. و تضحك و السرطان يقطب منك الجبين ..

.. تزيد عليك الهموم و أنت تواصل دك حصون التجهم من خندق الضاحكين ..

.. أحس بأن رحيلك .. سخرية ..

.. نكتة ..

.. مقلب ..

.. صغته .. كي تروح عنا بهذا الزمان الحزين ..

.. أحس بأنك سو ف تفاجئنا ..عابرا باب قاعة تأبيننا ..

.. ثم تضحك منا .. تقول :

.. ضحكت عليكم ..

.. سأبقى .. كأني رئيس لعين ..

.. إن كان هذا مزاحا ..

.. فيكفي ..

.. و وعدا بان سنضحك .. إن عدت ..

.. فأرجع لنا الآن .. يا سيد الساخرين ..

o بعض من مشاغبات المسيري و فكاهاته :

* في حفل إفطار رمضاني لحزب " الوسط " ألقى نكتة جميلة في وسط مفكري و إعلاميي مصر ، و هي : " أن حاكم عربي دخل جهنم .. و أعطوه نمرة 25 .. فسأل عن مكان عنبر 25 .. فأجابه أحد سكان جهنم قائلا : يا فاجر .. انت عملت إيه .. دة أنا أبو لهب .. و عنبري 21 بس " .

* في إحدى الحفلات العلنية .. طلب من الشاعر " عبد الرحمن يوسف " أن ينشد قصيدة " سعاد حسني " مشددا على كلمة " حسني ".. مما يومئ بأنها قصيدة عن " سوزان مبارك " .. و قد فهم الشاعر مقصده و ألقى قصيدة بعنوان " امرأة العزيز " .

* لما سأله أحد مذيعي القنوات الفضائية عن رأيه في " الشرق الأوسط الجديد " .. فقال له تقصد " الشرق الأوسط اللذيذ " .. و لم يفهم المذيع أنه يقصد أن مشروع " الشرق الأوسط الجديد " ما هو إلا وجبة دسمة للغرب العلماني سارق ثروات الشعوب .. لضعف رشاقة المذيع الذهنية .. و ضحك الجمهور .

* كان دائما يستهزئ بالحضارة الغربية الحديثة و علاقتها بالإعلام .. فيسخر من لسان حالهم الذي يقول : " أبانا الذي في الشاشات " .. كناية عن عبادتهم للإعلام ذلك الإله الجديد .

* في سيرته الموسومة " رحلتي الفكرية .. يذكر الكثير من المواقف الفكاهية .. حتى تظن أنها طريقته في التواصل مع الناس .. و لقد صرح بذلك .. و قص أمثلة كثيرة .. منها على سبيل المثال أنه كان يستخدم الفكاهة في إلقاء الدروس الصعبة على طلبة الجامعة .. و منها : عقده لمقارنة طريفة بينه و بين أرسطو لشرح فكرة العقل التوليدي .. حيث يقول : " و كنت أحاول أن أنقل لطلبتي و طالباتي فكرة العقل التوليدي و مقدرته على الإبداع ( في مقابل العقل السلبي الفوتوغرافي المتلقي ) بطريقة درامية ؛ ففي بداية محاضرات النقد الأدبي ؛ كنت أقول لهم ( مازحاً بطبيعة الحال ) إنهم لو قرؤوا أعمال أرسطو بعناية للاحظوا مدي تأثره بأفكاري و بهذه الطريقة كنت أحاول أن أبين لهم أنني الأستاذ المصري العربي المسلم من دمنهور يمكن أن أصل إلي أفكار ربما لا تقل في عظمتها أو روعتها على أفكار أرسطو . و غني عن القول أن هذه مبالغة ؛ و لكنها مبالغة كان الهدف منها إيقاظهم ليتعرفوا على إمكانياتهم الداخلية و لا يخافوا من الإبداع " .

o النكتة المضادة ( أو النكتة الصهيونية ) :

و من ابتكارات المسيري – رحمه الله - أنه استخدم " تحليل النكتة " في إسرائيل .. كأحد أدواته التحليلية في الموسوعة .. و هذه طريقة يفهمها الغرب و الصهاينة كمعول هدم لحضارتهم .. لكونهم يعرفون كون النكتة و الفكاهة هما ترمومتر الشعوب .

و هو يقرر أن النكتة عند اليهود تعبر عن شعور بنقائص الذات و عيوب النفس.. فهي غالبا ما تعكس رؤية متشائمة بشأن المستقبل في إسرائيل .. مما يجعلها أداة تحليلية تفيد في الصراع معهم .. مثال ذلك نكتة إسرائيلية منتشرة في أوساطهم عن طبيب يتعرف على مريضة فيسأله عن مهنته .. فيقول له : كاتب .. فيسأله : و ماذا تكتب ..فيجيب : في مستقبل الوطن .. فيقول له : إذن .. أنت تكتب قصصا قصيرة يا عزيزي " . . كأنموذج للتشاؤم من المستقبل عندهم .

و في الصراع العربي الإسرائيلي يقول عادل حمودة : " أن المخابرات للدول المعادية تصنع النكت أحيانا.. مثل نكتة : الرئيس العربي الذي رسم خريطة فلسطين على ذراعه حتى لا ينسى القضية الفلسطينية .. و حين سألوه عما يفعل إن تحررت فلسطين .. قال : حأقطع ذراعي ." .. ( و هي مثال لبث اليأس في النفوس ) .

و من النكت التي تصور تعقيد اليهود الدائم للأمور ..أن جامعة عالمية بها عدة جنسيات عملت امتحانا تطلب فيه : " أكتب موضوع من تصورك عن الأفيال " .. فكتب الفرنسي بحث بعنوان " صيد الأفيال " .. و الإنجليزي بعنوان : " تربية الأفيال " .. و الكندي بعنوان : " الحب عند الأفيال ".. أما اليهودي فكتب بحثا بعنوان : " الأفيال و المشكلة اليهودية ".

و من النكت التي يبثها المقاومين في فلسطين .. أن سلطات الاحتلال قررت القبض على من يقوم مبكرا .. لأنه من النشطاء .

سادسا : النكتة و الفكاهة في الفكر الإسلامي :

· أبو حيان التوحيدي يقول في كتابه " البصائر " : " إياك أن تعاف عن سماع هذه الأشياء المضروبة بالهزل ، الجارية على السخف .. فإنك لو أضربت عنها جملة .. لنقص فهمك و تبلد طبعك " ..( و هذا ما يفسر لنا غلظة طبع و جفاء فطرة منطقة أوربا الشرقية .. لأنهم لا يقدرون النكتة و الفكاهة )

· و الشيخ القرضاوي في كتابه " فقه اللهو و الترويح " يذكر مجموعة من الصحابة الفكاهيين الكوميديين ( منهم سويبط بن حرملة – رضي الله عنه ) الذي كان يصنع المقالب في إخوانه من الصحابة .. و الرسول يضحك ..

· و د . صهباء بندق تتبع وتؤصل للطريقة العبقرية التي يستخدمها الصحابي الجليل " أبي هريرة " في العلم و التعلم .. و التي جعلته يروي هذا الكم من الأحاديث النبوية .. في حين أن من أقرانه من نسى كثير منها .. فتجد أن هذه الطريقة العبقرية ما هي إلا .. ( الفكاهة ) .

· و د . جابر قميحة يري أن : السخرية من ظالم .. انتصار لقيمة وطنية و قومية أو دينية .

· تيار التشدد الديني يكره النكتة .. لكونها مجاز .. و هم لا يؤمنون بالمجاز .. و المجاز عند المسيري .. دليل على رقي خصيصة " الإنسانية " في الإنسان .. لكون المجاز يعطي مساحة للاجتهاد خاصة بالزمان و المكان .

· و القرضاوي يبين : " أنه ليس من الضروري أن تكون النكت مخبرة عن واقع حقيقي ، بل قد تكون مختلقة ، كما يختلق القصاص و الروائي الأحداث " .. و ينفي عن ذلك صفة الكذب المحرم .. لأن الناس يعلمون أنها من نسج الخيال .

و أخيرا : الخاتمة

نتيجة .. و نصيحة :

1) النتيجة :

· الفكاهة فضيلة إنسانية عالية .

· الفكاهة تؤصل لثقافة اللا عنف ...و هي إحدى وسائل التغيير السلمي .. خاصة في مصر .

· يقولون أن أركان نهضة الشعوب ثلاثة ( عقل نقدي – عقل إبداعي – روح فريق العمل ) .. و هذه الثلاثة تتوفر في النكتة و الفكاهة .

· و كما يقول " دانييل كولمان " في كتابة القيم " الذكاءات المتعددة " أن الذكاء أنواع .. فالفكاهة هي أحد روافد الذكاء فهي تحتاج إلى عقل و عاطفة .

· أكثر الأعمال الفنية تأثيرا الأعمال الكوميدية .. و لو هزلية ( اللمبي مثلا ) .

· هناك ثقافة أخرى مهملة .. هي الثقافة الشعبية ( التي هي ملك المصريين وحدهم ) و التي تعبر عن مدركات الشعب الحقيقية .. غير ثقافة النخب التي تسكن الأبراج العالية .. و هذا ما فعله المسيري ( رحمه الله ) فقد كان يعتمد ثلاثة أنواع من الخطابات .. ( شعبي .. و سياسي .. و فلسفي أو نخبوي ) و هو من المفكرين القلائل الذين لم ينفصلوا عن الشارع .

2) النصيحة ( التوصيات ) :

· الاهتمام بالفكاهة كأحد أفرع علم الجمال بعد تطوره .. يجعلها أحد روافد العلو م الاجتماعية الحديثة .. خاصة بعد " ثورة مصر 25 يناير " .

· يجب الاهتمام بالفكاهة في المناهج الدراسية .. و خاصة في مجال تغيير القيم .

· على كل فصيل سياسي أو اجتماعي يسعى للتواصل الجماهيري .. أن يعتمد النكتة و الفكاهة في خطابه الجماهيري . . كوسيلة للإعلام الموجه .

· اعتماد النكتة و الفكاهة كأحد أدوات استشراف المستقبل عند العقلاء .. فعالم الأرصاد يتوقع الإعصار قبل حدوثه .. و الناس لا يصدقونه إلا عند هبوب الإعصار .. و قد لا حين مندم .

· الحذر من النكات المضادة .. لما لها من تأثير سلبي كبير .

دمنهور في 16 يونية عام 2011 م .

هناك تعليقان (٢):